أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 04/06/2025 03:19 م

من فلسطين إلى مكة.. الحجاج يحملون الوجع والدعاء ويطوفون بالدموع

 

مكة المكرمة 4-6-2025 وفا- موفد "وفا" فضل عطاونة

حمل حجاج فلسطين، حجاج أرض الرباط، من ذوي الشهداء والجرحى والأسرى، وجعهم معهم إلى مكة المكرمة، ضمن مكرمة ملكية شكلت "عزاءً حميميًا" لهم ولعائلاتهم ومحبيهم.

في مكة، امتزجت أرواحهم المتعبة بروحانية المكان. وضعوا أوجاعهم عند أعتاب الكعبة المشرفة، وكأنها "رحلة تطهير من الألم". عيونهم شاخصة إلى السماء، وأكفهم مرفوعة بالدعاء والرجاء: أن يرحم الله الشهداء، ويشفي الجرحى، ويحفظ الأسرى في سجون الاحتلال، وينجي من تبقى في قلب المحنة.

أوجاع تصل إلى الكعبة

ألف حاج وحاجة من غزة والضفة، بما فيها القدس، حلّوا ضيوفًا على خادم الحرمين الشريفين، الذي أتاح لهم أداء فريضة الحج. لم يكونوا كغيرهم من الحجاج، فقد سكنت في قلوبهم صور الشهداء، وندوب الجراح لم تندمل.

وحتى إعداد هذا التقرير، تجاوز عدد الشهداء في غزة 54,500 شهيد، بينما بلغ عدد الجرحى نحو 125,000 مصاب، ولا يزال الآلاف تحت الأنقاض.

لفتة إنسانية لا تُنسى

أكد قاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس محمود الهباش، خلال تفقده أوضاع الحجاج في فندق الضيافة الملكي، أن هذه المكرمة جاءت تكريمًا لمن "قدّموا أرواحهم وأعمارهم من أجل فلسطين"، مضيفًا:

"أنهم جميعا محل تقدير واحترام، لتضحياتهم العظيمة التي تشكل نبراسا مشرقا في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني نحو الحرية".

ودعا الهباش، الحجاج إلى التحلي بالروح الوطنية، وإبراز صورة الإنسان الفلسطيني المناضل، صاحب الكرامة والشهامة.

وأشار إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، قدّما بهذه المكرمة المستمرة منذ عام 2000، موقفًا كريما وإنسانيا يعادل حجم الجراح الفلسطينية.

من جهته، قال وزير الأوقاف، محمد مصطفى نجم، الذي شارك الهباش في الجولة، إن هذه المكرمة السنوية ليست مجرد تبرع، بل هي "عزاء حميمي"، يحمل لمسة عزاء وسكينة لعائلات أنهكتها الخسارة، ويشكّل دعما روحيا ونفسيا حقيقيا.

وأضاف: "الطواقم الإدارية والإرشادية المرافقة لحجاج المكرمة الملكية في خدمتهم منذ لحظة خروجهم من الوطن وحتى عودتهم، حرصًا على التخفيف عنهم في كل مراحل الحج".

مكرمة وأمل ورجاء

تختلط لدى حجاج المكرمة الملكية، بينهم 500 حاج من قطاع غزة، و500 من الضفة الغربية، الدموع بالدعاء، ويتحول الألم إلى رجاء، بأن تصل صرخاتهم ووجعهم إلى ضمير العالم.

تلخص الحاجة نجوى أبو حميدة من معسكر جباليا شمال القطاع، أمنيتها بالعودة إلى وطنها وبيتها، بعدما فقدت نجلها الوحيد خليل أبو حميدة (19 عاما)، خلال العدوان الإسرائيلي.

وقالت: "مشاعري تختلط بين الفرح والحزن؛ فرح بهذه المكرمة التي منحتني فرصة الحج، وحزن يكاد يخنقني على فقدان ابني الوحيد".

أما الحاجة إيمان أبو مطر، من سكان المخيم ذاته، فتقول إنها "تضع يدها على قلبها" خوفًا على عائلتها التي تركتها في غزة، بينما غادرت للعلاج في مصر. وتضيف: "أدعو الله ليلًا ونهارًا أن يحفظ أبنائي، وأن ينجي أهالي غزة من هذا البلاء".

حجّ ووجع ودعاء

لم تكن رحلة هؤلاء الحجاج كأي رحلة حج. فقد كانت ممزوجة بالحزن والذكرى والدعاء، حيث كانت الكعبة شاهدا على دعوات الأمهات المفجوعات، والآباء المكلومين، والإخوة الذين حملوا صور أحبّائهم على صدورهم.

في صلواتهم، تمنوا أن يتوقف العدوان، وأن تُرفع الكارثة عن غزة والضفة والقدس، وأن يعود الأسرى إلى بيوتهم، وأن يُخلد الضحايا في ذاكرة حرّة لا تنساهم.

تتحدث الحاجة وفاء عبد اللطيف حنون، من دير البلح، التي خرجت منها في رحلة علاج قبل سبعة أشهر، عن كوابيس تُلازمها كل ليلة، فتستيقظ فزعا على وقع حلم بفاجعة جديدة أصابت أهلها.

أما الحاجة هناء أبو الهيجا، من مخيم جنين، فقد فقدت ثلاثة من أبنائها في قصف صاروخي في 14 كانون الثاني الماضي. استُشهدوا إلى جانب أب لثلاثة أطفال، وطفل لم يتجاوز عمره 14 عامًا.

قالت، والدموع تخنق كلماتها: "لم أتوقع أن أزور مكة يوما بعد أن دفنت أولادي، لكني هنا الآن، أدعو لهم في كل طواف، وأستودع روحي معهم.. هذه الرحلة ليست حجا فقط، بل هي وداع وسلام وأمل".

في مكة... وجع فلسطين لا يغيب

ومن على صعيد مكة الطاهر، حيث يُفوّج الحجاج الليلة وفجر غد الخميس إلى جبل عرفة، تعلو حناجرهم بالدعاء:

"يا رب، إنك تعلم ما لا ينطق به اللسان، وقلوبنا المثقلة بالشهداء والدموع لا تطلب إلا السلام".

مكرمة للحج... لكنها أيضًا رسالة كرامة

في مشاعر فيّاضة بالامتنان، عبّر حجاج من ذوي الشهداء والجرحى والأسرى عن شكرهم الكبير للمملكة العربية السعودية، معتبرين هذه المكرمة "رسالة وفاء وإنصاف"، تنطوي على بُعد إنساني وأخوي، وتؤكد أن قضية فلسطين لا تزال حيّة في وجدان الأمة الإسلامية.

ــــــــ

ف.ع

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا