رام الله 2-9-2025 وفا- في خطوة لتعزيز كرامة الإنسان وحماية الحقوق داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، نُظّم برنامج تدريبي متخصص استهدف فرق الرقابة على السجون في وزارتي العدل والداخلية، بهدف تطوير قدراتهم في متابعة أوضاع النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل، وتوثيق الانتهاكات، وضمان الامتثال للالتزامات القانونية ومعايير حقوق الإنسان.
جاء التدريب بتنظيم مشترك من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني (UNDP/PAPP) من خلال برنامج سواسية المشترك، وبالشراكة مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR)، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ICHR)، حيث جمع بين التعلم النظري والتطبيق العملي. وقد تناول التدريب مواضيع متعددة من ضمنها المعايير الدولية والقوانين الوطنية، إضافة إلى الأدوات العملية للرقابة التي تعزز المساءلة وتحسّن أوضاع الاحتجاز.
وشهدت الجلسة الافتتاحية حضور عدد من كبار المسؤولين، من بينهم وزير العدل شرحبيل الزعيم، والمدير العام للشرطة اللواء علّام السقّا، والمدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك، ورئيس مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة أجيث سونغاي، والمدير التقني لبرنامج سواسية عمر العسولي.
وقال الزعيم: "نحن ملتزمون بمواءمة قوانيننا مع معايير حقوق الإنسان الدولية لحماية كرامة النزلاء وحقوقهم دون أي تمييز. احترام هذه الحقوق واجب قانوني وأخلاقي. هذا التدريب يعزز معرفة الكادر وقدرته، ويسهم في تحقيق واقع أكثر عدلاً وإنصافًا. يعكس هذا اللقاء شراكة قوية بين المؤسسات الوطنية والدولية ويؤكد أن المعاملة الإنسانية هي جوهر الرسالة الإصلاحية لمراكز التأهيل".
وركز اليوم الأول من التدريب على استعراض المعايير الدولية والقوانين الوطنية، ودور مؤسسات الرقابة في حماية حقوق المحتجزين، بمن فيهم الفئات الأكثر ضعفًا مثل النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة النفسية. كما اطّلع المشاركون على آليات مواءمة التشريعات الوطنية مع الأطر الدولية، وأهمية التوثيق وإعداد التقارير.
بدوره، قال دويك: "إن الرقابة على أماكن الاحتجاز ليست مسؤولية جهة واحدة فقط، وإنما هي مسؤولية مشتركة بين السلطات الرسمية والهيئات المستقلة. وأود هنا أن أميز بين مستويين: الرقابة الرسمية والرقابة المستقلة، وهنا تكمن القوة في التكامل بينهما، إذ تعكس الرقابة الرسمية سلطة الدولة، بينما تمثل الرقابة المستقلة عين المجتمع وضميره. حين تتكامل الجهتان، تترسخ منظومة متينة من الحماية والوقاية، ويصبح الاحتجاز أداة للعدالة لا أداة للانتهاك".
وخُصص اليوم الثاني للتطبيق العملي من خلال زيارة ميدانية إلى مركز الإصلاح والتأهيل في أريحا، حيث أجرى المشاركون جولات تفقدية، وتقييم البنية التحتية، ومراقبة الممارسات المتبعة في معاملة النزلاء، والتدرّب على إعداد تقارير مبنية على الأدلة. شملت الزيارة مرافق مخصصة للنساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة النفسية، بما يضمن الالتزام بالمعايير الوطنية والدولية.
من جهته، قال سونغاي: "بينما ندرك حجم الضغوط الهائلة التي تواجهها الحكومة نتيجة التصعيد الإسرائيلي، فإن تعليق الانخراط مع هيئات المعاهدات التابعة للأمم المتحدة قد يضعف مموقفها على الصعيد الدولي. إن تدريبات مثل تدريب اليوم تمثل خطوة عملية نحو الوفاء بالالتزامات التعاهدية وحماية حقوق المحتجزين. ومن الأهمية البالغة أن تضمن فلسطين مواءمة مرافقها وسياساتها وممارساتها مع الالتزامات القانونية التي تعهدت بها عقب انضمامها إلى المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
من ناحيته، أضاف العسولي،: "تُعدّ هذه الورشة خطوة أساسية نحو بناء منظومة رقابية فعّالة تضمن احترام كرامة النزلاء وتطبيق المعايير الدولية والتشريعات الوطنية بما ينسجم مع التزامات دولة فلسطين في مجال حقوق الإنسان. ومن خلال الشراكة مع وزارتي العدل والداخلية، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، نؤمن بأن الاستثمار في بناء قدرات الكوادر الوطنية هو استثمار طويل الأمد في سيادة القانون، والعدالة، والأمن المجتمعي".
أما اليوم الثالث من التدريب، والذي سيركّز على إعداد التقارير والتحليل وصياغة التوصيات، فسيتم تنفيذه في وقت لاحق. وخلاله، سيقدّم المشاركون نتائجهم، وينخرطون في مناقشات تفاعلية، ويضعون توصيات عملية لتعزيز الرقابة على مراكز الاحتجاز.
ويساهم هذا التدريب في تعزيز قدرات فرق الرقابة على تحديد الثغرات، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم توصيات قابلة للتنفيذ، بما يرسّخ نظام عدالة أكثر شفافية وخضوعًا للمساءلة وقائمًا على حقوق الإنسان في فلسطين. كما يبرز الدور المحوري للتعاون بين وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني في دفع الإصلاحات المؤسسية وتحقيق أثر ملموس في حياة المحتجزين والمجتمع الأوسع.
ــــــــــ
م.ل