الأغوار 18-6-2025 وفا- إسراء غوراني
منذ أيام، يتكبد مزارعو الأغوار الشمالية خسائر فادحة جراء إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي حاجزي الحمرا وتياسير العسكريين والتشديد عليهما، وهما الحاجزان الرئيسان الواصلان إلى مناطق الأغوار.
إغلاق الحاجزين نهائيا على مدار ثلاثة أيام مطلع الأسبوع الجاري، وما تلاه من تشديدات كبيرة على الحاجزين بعد ذلك أدى إلى تكدس الإنتاج الزراعي في حقول الأغوار، والحيلولة دون وصوله إلى الأسواق، وهو ما وضع المزارعين في ظرف صعب يفاقم معاناتهم المتراكمة منذ أكثر من عام ونصف عام من الإغلاقات المتكررة للحواجز، ويضاعف خسائرهم السنوية المتصاعدة عاما بعد عام، جراء انتهاكات سلطات الاحتلال والمستعمرين، التي أدت إلى تراجع المساحات التي يستفيد منها المزارعون.
محمد صوافطة، أحد مزارعي قرية بردلة في الأغوار الشمالية، يصف في حديثه لـ"وفا" حجم الضرر الذي ألمّ به مؤخرا جراء إغلاق الحاجزين والتشديدات والعقبات التي يفرضها الاحتلال على حركة مرور المركبات.
يقول صوافطة، الذي يزرع سنويا ما يزيد على 300 دونم بمحاصيل مختلفة، إن إغلاق الحواجز الذي جاء مع موسم قطاف الشمام أدى إلى خسائر كبيرة لا يمكن تعويضها، فخلال ثلاثة أيام كان المفترض أن يقطف ما معدله ألفا "كرتونة" شمام، لكنها بقيت جميعها في أرضها، ما أدى إلى تلفها وانعدام أي مردود مادي منها.
يضيف: "هذه خسارة لا يمكن تعويضها، زرعنا أشتال الشمام في شهر شباط/ فبراير وبقينا نعتني بها أربعة أشهر متواصلة دفعنا خلالها تكاليف باهظة من أسمدة ومياه وأدوية، في انتظار موسم الإثمار هذا".
تضاف هذه الخسائر لدى صوافطة إلى سلسلة ممتدة ومتراكمة من الخسائر الزراعية منذ قرابة عام، عندما أقدم مستعمرون على إنشاء بؤرة استعمارية رعوية على مقربة من أرضه الواقعة في الجهة الغربية من قرية بردلة.
منذ ذلك الحين اتخذت معاناة صوافطة شكلا أكثر صعوبة، فهو في رحلة عذاب يومية مع المستعمرين الذين ينفذون اعتداءات متواصلة على أرضه، ويمنعونه في أحيان من حراثتها وزراعتها، بالإضافة إلى تدمير المحاصيل وخطوط المياه في أحيان أخرى.
يعيل صوافطة من عمله في الزراعة أسرته، فضلا عن ذلك له عدد من الشركاء يعيلون عأسرهم هم أيضا من هذه الأرض، الآن يواجهون جميعا فقدان مصدر رزقهم الوحيد.
بدوره، يشير مدير دائرة زراعة الأغوار الشمالية هاشم صوافطة إلى أن منطقة الأغوار الشمالية تعد منطقة زراعية بالدرجة الأولى، ويعتمد اقتصادها ودخل سكانها على الزراعة أساسا.
ويضيف أن منطقة الأغوار الشمالية تُخرِج إلى الأسواق في مثل هذا الوقت من العام ما معدله مئة طن من الخضراوات والمحاصيل الزراعية يوميا، ولكن إغلاق الحواجز بشكل كامل لمدة ثلاثة أيام متواصلة منذ بداية الأسبوع الحالي، ومن ثم التشديد على حركة المرور بعد ذلك وضع المزارعين في مأزق كبير وكبدهم خسائر لا يمكن تعويضها، خاصة أن أغلبية المحاصيل التي قُطفت أو حان موعد قطافها تعرضت للتلف.
وتشير المعطيات لدى صوافطة إلى أن مزارعي الأغوار الشمالية يزرعون ما مساحته 12 ألف دونم بالمحاصيل المروية على مدار العام، مضيفا أنه في هذا الوقت من العام تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل المروية 4 آلاف دونم، 3 منها مكشوفة، وألف مغطاة بالبيوت البلاستيكية، وجميع هذه الأراضي لم تسوّق ثمارها نهائيا على مدار أيام جراء إغلاق الحواجز.
بعد أيام الإغلاق الثلاثة، لم تنته مشكلة مزارعي الأغوار الشمالية فيما يتعلق بتسويق ما تبقى من محاصيلهم، فالحواجز تشهد تشديدات كبيرة وإعاقة لحركة المرور وإيقاف المركبات لفترات طويلة، وهو ما يؤدي إلى فاقد في المنتجات التي يتعرض جزء منها للتلف أو الذبول، وتراجع جودته بسبب طول مدة الوقوف عند الحواجز قبل وصولها إلى الأسواق، وفقا لما قاله عدد من المزارعين.
وهذا النوع من الخسائر الزراعية غير مرتبط فقط بالإغلاقات الأخيرة خلال الأسبوع الحالي فقط، وفقا لصوافطة، مؤكدا أنه في هذا الأسبوع كانت الخسائر الأكبر بسبب الإغلاق الكامل لعدة أيام، لكن خسائر المزارعين بسبب الحواجز لم تتوقف منذ أكثر من عام ونصف عام، تزامنا مع الحرب على قطاع غزة وما ترافق معها من تشديدات وإجراءات عقابية على الحواجز في الضفة الغربية، حيث تعرضت حواجز الأغوار لإغلاقات متكررة تكون في بعض الأحيان إغلاقات كاملة أو جزئية، وخلال ذلك يتم تسجيل فاقد وخسائر في المنتجات الزراعية.
كما لا تقتصر أسباب الأوضاع الصعبة لمزارعي الأغوار الشمالية وخسائرهم على الحواجز فقط، بل تتضافر عوامل كثيرة عليهم أدت إلى تكبدهم خسائر متزايدة خلال الأعوام الماضية، جميعها مرتبطة ارتباطا مباشرا بممارسات الاحتلال والمستعمرين الرامية إلى تهجيرهم من أراضيهم لتسهيل الاستيلاء الاستعماري عليها، ومن هذه الانتهاكات: الاستيلاء على أراضيهم الزراعية سواء من سلطات الاحتلال أو المستعمرين، وتنفيذ العديد من الاعتداءات في مواسم الزرع والحصاد، ومنها منعهم من حراثة الأراضي، أو تدمير المحاصيل الزراعية في موعد قطافها إما جراء التدريبات العسكرية أو عبر إطلاق مواشي المستعمرين فيها لتدميرها ورعيها.
ووفقا لتقديرات دائرة زراعة الأغوار الشمالية، فإن أرباح المزارعين تراجعت بنسبة 60% خلال العام الأخير جراء عدة عوامل منها: إغلاق الحواجز، بالإضافة إلى الانتهاكات سلطات الاحتلال والمستعمرين المتصاعدة.
خسائر المزارعين الكبيرة خلال الأسبوع الأخير جراء إغلاق الحواجز لم تقتصر فقط على مناطق الأغوار، بل شملت محافظات الضفة الغربية كافة، حيث تشهد أغلبية حواجز الضفة إغلاقات وتشديدات صعبة منذ قرابة أسبوع.
واضطر مزارعون إلى إتلاف محاصيلهم الزراعية بسبب الإغلاق، أو توزيع بعضه على الجمعيات الخيرية، وإطعام ما تبقى منه للمواشي بعد تلفه، بسبب كساد محاصيل مثل الكوسا والخيار والبطاطا وغيرها.
وكانت قوات الاحتلال قد زادت أعداد الحواجز والبوابات العسكرية عند مداخل مدن الضفة الغربية وبلداتها منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو ما أدى إلى خسائر كبيرة في أغلبية القطاعات الإنتاجية والزراعية، فضلا عن عرقلة سير حياة المواطنين اليومية بمختلف مجالاتها.
وتشير إحصائيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التي نشرتها مطلع العام الحالي إلى أن عدد الحواجز والبوابات العسكرية في الضفة الغربية وصل إلى 898 حاجزا وبوابة.
وبالتزامن مع هجومها على إيران، أحكمت سلطات الاحتلال إغلاق معظم الحواجز والبوابات بأشكالها كافة، في إمعان واضح في ارتكاب جريمة العقوبة الجماعية بحق المواطنين، بحسب الهيئة.
وأكد رئيس الهيئة مؤيد شعبان، أن منظومة الإغلاق تعتدي بشكل فادح على الحقوق الأساسية المكفولة للشعب الفلسطيني، لا سيما الحق في التنقل وتلقي العلاج، وأن ما يحدث هذه الأيام، يشكل امتداداً لسلسلة لا تنتهي من إجراءات قمعية تمارسها الدولة القائمة بالاحتلال بحق المواطنين، تعمد من خلالها إلى إغلاق الطرق أمام المواطنين أصحاب الأرض، في حين تُبقي الطرق ذاتها مشرعة أمام المستعمرين، في طبقة جديدة تضاف إلى طبقات الأبارتهايد والفصل العنصري المرعي من المؤسسة الرسمية.
ــــ
ع.ف