الرئيس: هذه الجائزة تحمل اسما غاليا وعزيزا ترك مدرسة في الأخلاق والمواقف
- زيارتنا إلى لبنان الشقيق تأتي تأكيدا على عمق الروابط التاريخية التي تجمع شعبينا وعلى امتناننا للمواقف الأخوية
- شعبنا الفلسطيني في لبنان هو ضيف مؤقت إلى حين عودته لوطنه ومخيمات اللاجئين هي تحت سيادة الدولة والجيش اللبناني
- نعمل على حشد الدعم الدولي لإعادة الإعمار وللذهاب لعملية سياسية مستندة للشرعية الدولية
بيروت 22-5-2025 وفا- منحت "أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام"، جائزة "صنّاع السلام" في دورتها السابعة لعام 2025، لرئيس دولة فلسطين محمود عباس، تقديرا لجهوده في إرساء المصالحة اللبنانية الفلسطينية، وتقديرا لمواقفه التي تعكس التزامه بالحوار ورفض العنف.
وجرى التكريم على هامش زيارة الرئيس محمود عباس الرسمية للبنان.
وقال الرئيس، إن هذه الجائزة تحمل اسما غاليا وعزيزا، اسم العالِم والمفكر والإنسان والصديق، الفقيد الكبير السيد هاني فحص، الذي كان صوتا حرا وعقلا منفتحا، ومدافعا شجاعا عن القيم النبيلة: قيم الحوار والانفتاح والتسامح، وقبل كل شيء، عن فلسطين وقضيتها العادلة، حيث جسّد الراحل الكبير، في حياته ومواقفه، صورة الإنسان العربي المؤمن بوحدة المصير، وبأن العدالة هي السبيل إلى السلام.
وأضاف سيادته أن الراحل الكبير ترك مدرسة في الأخلاق والمواقف، ستبقى منارة للأجيال، وركناً من أركان العمل العربي المشترك في سبيل الحرية والكرامة.
وتابع سيادته: بكل فخر وامتنان، أتوجّه إليكم بجزيل الشكر والتقدير على هذا التكريم المشرّف، الذي أتلقاه اليوم من جائزة هاني فحص للسلام والتعددية، تكريما لمسيرتنا الوطنية والنضالية من أجل حماية حقوقنا الوطنية وتحقيق السلام العادل والشامل، وصون وحدة شعبنا الفلسطيني، والحفاظ على قرارنا الوطني المستقل.
وقال سيادته، إن زيارتنا إلى لبنان الشقيق تأتي تأكيدا على عمق الروابط التاريخية التي تجمع شعبينا، وعلى امتناننا للمواقف الأخوية، والتضحيات الجسام التي قدمها الشعب اللبناني الشقيق إلى جانب شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة، رغم ما مرّ ويمر به من ظروف وتحديات.
وتابع أن الشعب الفلسطيني يقدّر عاليا كل التضحيات الجسام التي قدمها لبنان دولة وشعبا للقضية الفلسطينية، وتحمل تبعاتها منذ النكبة في عام 1948 وإلى يومنا هذا.
وجدد التأكيد على أن شعبنا الفلسطيني في لبنان، هو ضيف مؤقت إلى حين عودته لوطنه فلسطين، وأن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هي تحت سيادة الدولة والجيش اللبناني، ونؤكد على موقفنا السابق، بأن وجود سلاح المخيمات خارج إطار الدولة، هو إضعاف للبنان، ويتسبب بالضرر للقضية الفلسطينية أيضا، وأننا مع لبنان في تنفيذ التزاماته الدولية والحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته، على كل حدوده وفوق أراضيه.
كما جدد نداءه الذي دعا فيه قادة العالم لكسر الحصار عن فلسطين، باستخدام كل الوسائل الممكنة لدى الدول لإنجاز ذلك، وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة ووقف حرب الإبادة والتدمير والتجويع التي يتعرض لها شعبنا.
وقال الرئيس إن أولويتنا في اللحظة الراهنة بعد وقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وإدخال الاحتياجات الإنسانية والطبية، العمل على تولي دولة فلسطين لمسؤولياتها كاملة في قطاع غزة، وربطه مع الضفة والقدس، تحت نظام واحد، وقانون واحد، وسلاح واحد للدولة الفلسطينية. ولا ننسى في الوقت نفسه وجوب وقف العدوان على لبنان وشعبه الشقيق، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من أرضه.
وأضاف أننا نعمل على حشد الدعم الدولي لإعادة الإعمار، وللذهاب لعملية سياسية مستندة للشرعية الدولية، تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية. وسنظل نعمل من أجل تعزيز الحوار والوحدة الوطنية وتمتين جبهتنا الداخلية على طريق الحرية والاستقلال والعودة، تنفيذا لما ورد أعلاه للموقف الفلسطيني الرسمي.
وحيّا سيادته، روح وذكرى الفقيد الكبير السيد هاني فحص، وتوجه بالشكر العميق إلى القائمين على هذه الجائزة الكريمة، وإلى كل من يؤمن برسالة السلام والتعددية والكرامة في عالمنا العربي. كما توجه بتحية إجلال ومحبة إلى عائلة الفقيد، زوجته وأبنائه وكل أحبائه، الذين واصلوا حمل رسالته الإنسانية النبيلة، وحافظوا على إرثه الفكري والروحي، الذي أصبح جزءاً من ضمير أمتنا.
بدوره، قال الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل: "نكرّم اليوم مسيرة نضال واعتدال، نحيي رجل آمن بالسلام الممكن رغم صعوبته، وبالكرامة الوطنية رغم الرياح العاتية، إننا نكرّم اليوم الرئيس محمود عباس ليس فقط بصفته رئيس دولة فلسطين، بل بصفته ضميرا حيّا للقضية الفلسطينية، وصوتا عاقلا وسط ضجيج الشعارات والانفجارات العنيفة".
وأضاف الجميل في كلمته خلال الحفل: "إن في هذا التكريم دلالات عميقة يجمع الرجلين، فخامة الرئيس عباس وسماحة السيد فحص، وتلك الرؤية الإنسانية الرحبة وذلك الإيمان بالحوار سبيلا أوحد نحو مستقبل عربي مشرق".
وتابع أن "هاني فحص لم يكن مجرد رجل دين، بل كان أحد الجسور النادرة بين الضاحية والضفة، وصوتا شيعيا وطنيا لا يخشى المجاهرة بالحق، داعيا إلى الفصل بين المقاومة المشروعة والفوضى المسلحة، معتبرا أن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن لبنان نفسه، لا شعارا للمزايدة ولا بندقية للتفاوض".
وقال: "نحن نكرّم اليوم رجلا من رجال الحكمة والاعتدال، ونستحضر هذا النهج لا كماض جميل فحسب، بل كوصية للمستقبل في لبنان والمنطقة. إننا في هذه اللحظة من الغليان الإقليمي وفي زمن التباسات الهوية وكثرة الولاءات، أحوج ما نكون إلى رجال دولة من طينة هؤلاء، يؤمنون أن المواقف المبدئية لا تسقط مهما اشتدت العواصف، وأن كرامة الشعوب لا تجزأ، لا في غزة ولا في بيروت".
ولفت الجميل إلى أن علاقته بالقضية الفلسطينية ليست ظرفا طارئا أو تقاطعا عابرا، "فخلال أصعب مراحل الحرب اللبنانية، سعيت رغم الضغوطات والانقسامات والاضطرابات إلى بناء جسور التفاهم مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكنت من القلائل الذين آمنوا بضرورة الفصل بين الصراع المسلح والحوار السياسي، ولا يعلم الكثيرون أنني في خضم الحرب فتحت قنوات اتصال مع قيادات في منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك ليس انطلاقا من باب المساومة بل من منطق الإيمان أن الاستقرار في لبنان لا يكتمل دون التفاهم مع الفلسطينيين المقيمين على أرضه، كما أنني سعيت إلى تجنيب الدمار في المخيمات الفلسطينية، ودعيت إلى وضع إطار سياسي أمني ينظم الوجود الفلسطيني في لبنان ضمن السيادة اللبنانية والاحترام المتبادل".
وبيّن الجميل أنه وبعد انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية تابع هذا النهج بحذر وحكمة، مدركا أن لبنان لا يستطيع أن يعزل نفسه عن محيطه، وأن منظمة التحرير بقيادتها التاريخية هي العنوان الفلسطيني الشرعي الذي لا يمكن تجاوزه، وفي العام 2008 بحضور ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية في لبنان الصديق عباس زكي، عقدنا في مقر حزب الكتائب اللبنانية لقاء أكدنا من خلاله على بناء أفضل العلاقات بين اللبنانيين والفلسطينيين على قاعدة رفض التوطين وتنظيم السلاح الفلسطيني ومنح اللاجئين حقوقهم الاجتماعية في انتظار عودتهم إلى بلادهم.
وقال الجميل: إنني أشهد للتاريخ، أن الرئيس محمود عباس كان وما زال شريكا مسؤولا في ذلك المسار، وهو رجل لا يسمح لنفسه أن يجعل من لبنان ساحة صراع إضافية، بل حافظ على علاقة متوازنة مع الدولة اللبنانية، واحترم سيادتها ومؤسساتها، وساهم في ضبط العلاقة بين البلدين بما يخدم مصلحة الشعبين.
وأوضح الجميل أننا نعيش اليوم في عالم عربي مهزوم وفي زمن تنهار فيه المبادئ والقيم تحت وقع التسويات الرخيصة، يبقى "أبو مازن" مثالا على الثبات السياسي والوطني، وعلى التمسك بالحق، فالسلام لا يولد من الاستسلام بل من الشجاعة، معتبرا أن هذا التكريم هو أيضا تكريم لفلسطين الصامدة وهو تكريم الحكمة التي توازن بين الحق والممكن وللوفاء اللبناني والفلسطيني والذي سنحرص دوما على صونه وتطويره.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، إن الرئيس محمود عباس ما انفك يصنع السلام اللبناني الفلسطيني ويحرص على صونه.
وأكد أن الرئيس عباس يتمتع برؤية سياسية متزنة، تستند إلى إدراك عميق لطبيعة التوازنات الدولية والإقليمية والعربية المؤثرة في إدارة الملف الفلسطيني، وقد جسّد من خلال مواقفه وممارساته التحول من نهج الثورة إلى مفهوم الدولة، مؤمنا بأن الكفاح الوطني الفلسطيني لا بد أن ينتهي بحل سياسي شامل وعادل.
وأشار إلى أن الرئيس عباس رفض في هذا السياق الدعوات إلى تسليح الانتفاضة وتمسك بسلميتها، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن العودة إلى العنف من شأنه أن يبدد المكاسب السياسية التي تحققت على مدار سنوات النضال، ويضعف من الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي.
وأضاف سلام: "منذ وقت مبكر، تبنى أبو مازن خيار السعي إلى إقامة كيان فلسطيني مستقل على أراضي عام 1967 واعتبر أن مرحلة الكفاح المسلح لا بد أن تقود إلى مسار تفاوضي يفضي إلى تسوية سياسية قائمة على حل الدولتين، وقد قدم نفسه باعتباره محارباً من أجل السلام واضعاً هدف إحراج المجتمع الدولي لاسيما الغرب، أخلاقياً وتاريخياً أمام مسؤوليته تجاه إنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين".
وذكر رئيس الوزراء اللبناني أن الرئيس محمود عباس رفض التدخلات الخارجية في الشأن السياسي الفلسطيني حرصاً على استقلالية القرار الوطني ورفضاً لأي اصطفاف في سياق سياسات المحاور الإقليمية، كذلك رفض أي تدخل فلسطيني في الشؤون الداخلية للدول العربية، وخص بالذكر كلاً من لبنان والكويت وسواهما، مؤكداً التزامه الكامل بمبادئ السيادة وعدم التدخل، كما شدد على رفضه لأي وجود مسلح خارج إطار الشرعية سواء في فلسطين أو في الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها لبنان.
وأشار إلى أن في مسيرة الرئيس محمود عباس يمكن أن تختلف الآراء، لكن لا يمكن إنكار الثوابت التي التزم بها في أخطر المراحل، حيث شارك في هندسة اتفاق أوسلو وسعى لبناء مؤسسات دولة رغم الاحتلال، وواجه الضغوط الدولية والإقليمية حين رفض "صفقة القرن".
وأشاد كذلك بالنهج المسؤول الذي تبناه الرئيس محمود عباس في لبنان، بتأكيده على احترام السيادة اللبنانية ورفض تحويل المخيمات إلى ساحات للصراع أو أوراق ضغط، ورفض عسكرة المخيمات خارج الشرعية الوطنية.
وقال، لقد حرص الرئيس عباس أن يكون الوجود الفلسطيني في لبنان عنصر استقرار لا عنصر توتير، وسعى إلى تحصين مجتمع اللاجئين لا توريطه في صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل، وهي مواقف تسجّل وتقدّر ويبنى عليها لما فيه مصلحة الشعبين اللبناني والفلسطيني.
وتأسست جائزة هاني فحص للحوار والتعددية عام 2016، وهي جائزة سنوية تُقدم في ثلاثة مجالات: صنّاع السلام، والدفاع عن التعددية، والبحث العلمي، وتمنحها أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام وشركاؤها: كرسي اليونيسكو في جامعة القديس يوسف– بيروت، وكرسي اليونيسكو في جامعة الكوفة– العراق، وأكاديمية البلاغي في النجف الأشرف في العراق، وجامعة القديس يوسف في بيروت، في سبيل متابعة تراث الراحل هاني فحص في مجالات الفكر الديني والتعددية والحوار.
وكان سيادته قد منح العلامة فحص وعائلته، الجنسية الفلسطينية تكريما لدوره في دعم القضية الفلسطينية، ما يعكس التقدير المتبادل بينهما.
ـــــــ
ي.ط