غزة 26-12-2025 وفا- ريما سويسي
منذ الأمس، لم تفارق المواطنة أسماء الربيعي، مواقع الأخبار التي تورد تباعا تحديثات حالة الطقس، حيث ستتأثر فلسطين بحالة من عدم الاستقرار الجوي خلال الأيام المقبلة، والتنبؤات بوجود عدة منخفضات جوية سيكون لقطاع غزة حصة الأسد منها، ما يجعل أسماء تعيش وضعا نفسيا صعبا.
منذ أن دمر منزلها خلال العدوان وحرب الإبادة التي مازال يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تعيش الربيعي (34 عاما) مع زوجها وأطفالها الثلاثة داخل خيمة في مخيم الديرة المقام على مساحة ثلاثة دونمات، في منطقة الكرامة شمالي غرب مدينة غزة، ويضم نحو 170 عائلة نازحة.
أقامت أسماء وزوجها هذه الخيمة المؤقتة بعدما غرقت خيمتها في المنخفض الأخير قبل أسبوعين، وجرفت معها كل ما كان بداخلها من أمتعة، وتركتهم في العراء هي وأطفالها دون مأوى.
تتحدث عن حالة القلق التي تنتابها فور سماع بأن منخفضا جويا سيؤثر على القطاع "نعيش ليلة صعبة عشية المنخفض ويبدأ القلق يداهم أفكارنا، فكل الاحتمالات موجودة، خاصة وأنه كانت لدينا تجارب صعبة، أفكر بأطفالي، كيف سأحميهم؟".
وتضيف الربيعي "طفلتي الرضيعة لا تتجاوز العام من عمرها، غرقت في المنخفض السابق، لم أستطع حمايتها بما يكفي، اليوم تداهمني أفكارا سلبية بمجرد معرفتي بوجود منخفض جوي".
وحول التدابير التي تقوم بها العائلة، للخروج بأقل الأضرار، يقول زوجها أحمد زهد (44 عاماً) "أقوم بمحاولة تثبيت الخيمة، وتمكينها من الخارج عبر وضع الكثير من أكياس الرمل والحجارة الثقيلة، كما نقوم بوضع الجرادل والأواني المعدنية أسفل الثقوب الموجودة في الشوادر أعلى الخيمة، لكن كل ذلك لا يحمي خيامنا من الغرق".
ويكمل: "أتأكد من حبال الخيمة الخارجية ومدى مقاومتها لشدة الرياح خوفاً من طيران الخيمة وأقوم بحفر قنوات بين الرمال كي نتجنب تكدس المياه أمام الخيمة ومن ثم الدحول إليها كون أن التربة قد يحصل فيها انجراف نتيجة قوة المياه المندفعة نتيجة الأمطار الشديدة التي قد تصل أحيانا إلى ارتفاع مترين".
ويتابع قائلًا: "أحرص على فحص حبال الخيمة الخارجية، ومدى قدرتها على الصمود أمام الرياح، خوفا من أن تقتلعها العاصفة، كما أقوم بحفر قنوات بين الرمال، لتصريف مياه الأمطار، وتجنب تكدسها أمام الخيمة وتسرّبها إلى داخلها بفعل غزارة الأمطار، ما قد يؤدي إلى انجرافها".
ويضيف: "في تلك الليلة لا ننام، نعيش حالة من الرعب والترقب لحدوث أي طارئ نتيجة الأمطار وخوفاً على أطفالنا من الغرق، كنا نخاف الصواريخ، والآن نخاف الغرق، أو الموت بردا، نقضي الليالي ونحن نتحسس أطفالنا على ضوء الهواتف المحمولة، ونتفقد ما إذا كانت المياه قد وصلت لأجسادهم الصغيرة".
في كثير من الأحيان، تنقطع خدمة الأنترنت عن المخيم بفعل الأحوال الجوية، ما يدفع المسؤولين عن المخيم، لإعلام النازحين في الخيام بأحوال الطقس، من أجل اتخاذ التدابير والإجراءات التي من شأنها تخفيف الأضرار والخسائر لأدنى مستوى، كما وتتم مساعدة الأهالي هناك في نقل الأطفال من خيمة إلى أخرى أكثر أمانا، لحمايتهم من الغرق.
يختم زهد حديثه بالقول "نعيش حياة مريرة وصعبة جدا، لم نعد نحتمل العيش هكذا طويلا، منذ أكثر من عامين ونحن نعيش الخوف من كل شي، من الصواريخ، ومن الموت جوعا، وبردا، لا نعلم إلى متى سنبقى في هذه الحالة".
وعقب كل منخفض جوي، يبدأ النازحون في مخيم الديرة بنشر ملابسهم وأمتعتهم وفراشهم أعلى الخيمة، للاستفادة من أشعة الشمس بالقدر المتاح، حتى تجف الامتعة ويعاد استخدامها مرة أخرى، لكن غالبيتها تكون قد جرفت بفعل السيول، ما يضطر الأهالي للبحث عن غيرها، وفي كثير من الأحيان لا يجدونها.
ولا تقتصر حالة القلق هذه على الكبار فقط، بل أيضا تلقي بظلالها على الأطفال، الذين أصبحوا لا يتمنون قدوم الشتاء، لما يعيشونه من مأساة، فالكثير منهم عاش هذه التجربة الصعبة داخل الخيام، حيث أغرقتهم المياه الأمطار، ونخر عظمهم البرد الشديد.
وفي قصة مأساة أخرى يعيشها النازح تامر الشريف (40 عاما) الذي يصف معاناته خلال فصل الشتاء الذي كان أحب الفصول لديه: "لم أعد أحب هذا الفصل، لأنه أصبح ثقيلا علينا كنازحين في الخيام، نتيجة ما نعانيه من ويلات، نتيجة غرق خيامنا وأطفالنا، ما يضاعف من مأساتنا".
يقول "في المنخفض السابق غرقت الخيمة، وبصعوبة كبيرة تمكنت من إنقاذ أطفالي، ولم أتمكن من إخراج أي شيء من ممتلكاتي، فقدتها جميعها، أصبحنا بلا شيء، أتابع أحوال الطقس وما أن أعرف بقدوم منخفض، ينتابني التوتر، وأعيش حربا من الأعصاب، وأبدأ في التفكير ماذا سأفعل إن غرقت خيمتي، أين سأذهب بأطفالي".
ويكمل "نضع شوادر وأكياس من الرمل لتجنب غرق الخيمة المهترئة أصلا، فهي تتكون من أقمشة وبطانيات قديمة، ولكن مع الأسف رغم كل الاحتياطات التي نقوم بها، فإنها لا تستطيع مقاومة العواصف، ما يؤدي إلى غرقها".
ويختم حديثه بالقول "أحلم ببيت متنقل، بعدما كنت أعيش في منزل كبير ينهي هذه المعاناة كي نحمي عائلاتنا من الغرق خاصة وأننا فنحن ما زلنا في بداية فصل الشتاء".
وتعلق إحدى القائمات على مخيم الديرة عايدة الكيالي بالقول: "عشية المنخفض تكون ليلة في غاية الصعوبة على النازحين، في المنخفضات السابقة كان منسوب المياه مرتفعا جدا، وحينها خرجت الأمور عن سيطرتنا، حاولنا قدر الإمكان إنقاذ العائلات التي غرقت نتيجة الأمطار، وقمنا على الفور بنقلهم إلى أماكن أخرى أكثر أمنا، خوفاً عليهم خاصة الأطفال منهم".
وتضيف "نبقى على تواصل مع لجان الطوارئ التي تستجيب وفق الإمكانيات المتاحة لها، والتي تقوم بتوفير سواتر ترابية ليلية تحسبا لأي طارئ، لكننا لا نملك إمكانيات نستطيع بها مواجهة المنخفضات الشتوية".
وحول تفاصيل عشية المنخفض تشير الكيالي إلى أنه "ليلة المنخفض نقوم بإعلام النازحين في المخيم كي يقوموا بأخذ التدابير اللازمة نتيجة الخوف الذي أصبح يلازمهم نتيجة تجربتهم المريرة مع المنخفضات خاصة الأخير".
وتؤكد "نقوم بعمل جولات ميدانية لتفقد الخيم بشكل عاجل وقمنا مؤخراً بتوفير شوادر توضع فوق الخيمة لتمنع دخول المياه إليها وهو أضعف الإيمان".
وتشدد الكيالي على أنها تعيش ما يعيشه أهل المخيم، لا تنام وهي تفكر في عائلتها، وبقية سكان المخيم، وتبقى في حالة ترقب لأي نداء استغاثة يطلقه النازحون، أو أي حركة غير طبيعية تنذر بغرق إحدى الخيم، نواجه صعوبات كثيرة في ظل نقص الإمكانيات المتمثلة على سبيل المثال لا الحصر عدم وجود إنارة في المخيم خاصة أثناء الليل".
وتختم حديثها: "في اليوم التالي للمنخفض نخرج لتفقد آثار المنخفض، نحاول توفير فراش للناس اللي غرقت أو ملابس، واستطعنا تغطية نسبة ضئيلة جدا مما هو المطلوب من احتياجاتهم".
وتسببت العاصفة والمنخفض الجوي العميق اللذان ضربا قطاع غزة في 12 كانون الأول/ ديسمبر، بوفاة 11 مواطنا بينهم أطفال، وإصابة آخرين، إثر انهيارات متتالية لمنازل وسقوط جدران، وغرق واسع للخيام في مناطق عدة من قطاع غزة.
وبالرغم من التوصل لوقف إطلاق نار، إلا أن سكان القطاع (2,3 مليون نسمة) يعيشون أوضاعا إنسانية قاسية سواء على صعيد الأمن أو السكن أو الغذاء.
وتقول الأمم المتحدة في أحد تقاريرها الشهر الماضي، إن أكثر من مليوني فلسطيني "مكتظون الآن في أقل من نصف مساحة القطاع، بينما يفتقر معظم النازحين إلى مواد الإيواء الكافية لحمايتهم من الأمطار والرياح".
ـــــ
ر.ع/ر.ح


