غزة 2-12-2025 وفا- حسين نظير السنوار
رغم دخول الطقس البارد أجواء قطاع غزة، وترشيد المواطنين والنازحين لاستهلاك المياه الذي اعتادوا تقليصه أصلًا منذ أكثر من عامين وشهرين، إلا أن مشكلة توفر المياه تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وتتعمق معها معاناة المواطنين الذين يلاحقهم العطش من كل جانب، دون قدرة على توفير الحدّ الأدنى من حاجتهم اليومية.
ففي كل شارع وزقاق، وبالقرب من الخيام وبقايا المنازل المقصوفة والمهدمة، يتحلق الناس بدلاء وجالونات حول ما تيسر من خطوط المياه التي تسيل بشكل ضعيف، لعلهم يفوزون بتعبئة دلو أو جالون واحد. وفي الوقت نفسه تُهرول مجموعات أخرى خلف مزامير شاحنات المياه أملاً في الوصول إلى أماكن توقفها قبل نفاد الكمية، ليستخدموها في يومهم وليلهم إن استطاعوا تعبئتها، وإن كانت بالكاد تكفيهم.
وأزمة المياه، التي تُعد قديمة حديثة، تزداد صعوبة يومًا بعد الآخر بسبب نقص الموارد والسولار والطاقة اللازمة لتشغيل ما تبقى من آبار المياه بعد أن دمّرت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الغالبية العظمى منها. كما أن الاستهداف المتعمد والمتكرر لآبار المياه وشاحنات التوزيع، والقصف الذي طال المواطنين خلال بحثهم عن المياه، أبقى الأزمة مفتوحة بلا حلول واضحة حتى اللحظة.
ويقول المواطن بهاء المدهون إنه على الرغم من أن قطاع غزة منطقة ساحلية ويعيش فوق خزان مائي ضخم، إلا أن العطش بات يلاحق السكان، ولا يتمكن الفرد من الحصول إلا على عدة لترات يوميًا لعائلته، وهي لا تكفي شخصًا واحدًا ليوم واحد.
ويضيف، أن الاحتلال استهدف أغلب آبار وخزانات المياه خلال الحرب التي استمرت أكثر من عامين، ودمر البنية التحتية ومقومات الصمود في القطاع.
وأشار المدهون إلى أنه يعيش في خيمة بمنطقة المواصي في خان يونس جنوب القطاع بعد قصف منزله في شمال غزة، ورغم أن المنطقة معروفة بوفرة وعذوبة مياهها، إلا أنه يواجه عقبات جسيمة في الحصول على المياه التي أصبحت غالبيتها غير صالحة للاستخدام الآدمي بسبب انتشار الحفر الامتصاصية الخاصة بالخيام ومناطق النزوح، إضافة إلى انعدام أي وسيلة لمعالجة المياه المستخرجة من باطن الأرض نتيجة إجراءات الاحتلال وحرمان المواطنين من أدنى مقومات الحياة.
وأضاف، أن المواطنين، سواء المقيمون أو النازحون، يأملون أن تعمل البلديات ولجان الأحياء والطوارئ على تمديد شبكات مياه-حتى لو كانت خارجية أو مشتركة بين عدة خيام—لتخفيف المشقة الجسدية والعبء المادي عليهم. ويعتبر الأهالي ذلك حقًا أصيلًا يجب تأمينه للحد من صعوبات الحياة، خصوصًا بعد انتشار الأمراض نتيجة شح المياه.
أما المواطن عادل أبو علوان، فيقول إنه يقيم في منطقة قريبة من أرض زراعية تمكنوا من الحصول على خط مياه منها، إلا أن فرحتهم لم تكتمل، لأن البئر "الغاطس" لا يعمل في الأيام الشتوية الغائمة لاعتماده على الطاقة الكهربائية التي يشغّلها مولد يعمل بالطاقة الشمسية مباشرة بدون بطاريات تخزين، وهي لا تنتج طاقة في الأجواء الغائمة.
وذكر، أن انقطاع المياه يجبر المواطنين على البحث عن مصادر أخرى، ويواجهون عقبات كبيرة بسبب الازدحام الشديد حول نقاط المياه، سواء كانت خطوطًا أو شاحنات توزيع، وقد تنفد المياه قبل وصول طابور المنتظرين الذين يأملون بالحصول على ما يسد حاجتهم اليومية.
فيما ذكر المواطن عبد الرحمن الأسطل أن عائلته كانت تمتلك بئر مياه "غاطس" في منطقة السطر الغربي شمال خان يونس، وكانت تمدّ الحي بالمياه، إلا أن قوات الاحتلال دمرته خلال الاجتياح الأخير، ما جعل العائلة نفسها تبحث عن المياه بصعوبة بالغة وسط الدمار والخراب الذي لحق بالمنطقة.
أما المواطن أبو تامر عاشور فيقول إنهم يضطرون في أغلب الأحيان إلى شراء المياه من العربات أو الشاحنات المخصصة لنقلها، بسعر يتراوح بين 80 و100 شيقل لكل ألف لتر، وفق توفر السولار في محطات وآبار المياه.
ويضيف، أن هذه الكمية لا تكفي سوى يومين أو ثلاثة لعائلتين مجموع أفرادهما 13 فردًا، وهو عبء مادي ثقيل فُرض على المواطنين المشردين بسبب الحرب وويلاتها.
ويتابع عاشور أن الأهالي يسارعون للوقوف في طوابير طويلة عند سماع مزامير شاحنات المياه، أملاً في الحصول على كمية تخفف عليهم من تكلفة الشراء، إلا أن الازدحام الشديد قد يحرمهم في كثير من الأيام من الحصول على أي كمية.
ويشير إلى أنه حتى لو جاءت عدة شاحنات يوميًا للمخيم الواحد، فإنها لا تلبي حاجة المواطنين، فهم يستخدمون المياه للشرب والاستهلاك اليومي، بينما تبقى معظم المصادر غير صالحة للشرب.
وتؤكد مصادر محلية في القطاع أن الاحتلال ارتكب خلال الحرب على غزة "جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان" وفق تعريفات القانون الدولي، باستخدام الغذاء والماء والدواء كسلاح حرب، وتدمير 90% من البنية التحتية المدنية، والسيطرة على أكثر من 80% من مساحة القطاع عبر الاجتياح والتهجير القسري، وهي جرائم تندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
وأشارت المصادر إلى قلق بالغ إزاء التدهور الخطير في أزمة الوقود التي تضرب مرافق العمل البلدي كافة، في ظل استمرار الاحتلال بمنع إدخال السولار بالكميات اللازمة لتشغيل المرافق الحيوية التي يعتمد عليها أكثر من 2.4 مليون نسمة.
وأوضحت أن ما تم إدخاله من وقود خلال خمسين يومًا منذ وقف إطلاق النار لا يكفي إلا لخمسة أيام فقط من تشغيل معدات فتح الشوارع وإزالة الركام وخدمات الطوارئ.
من جانبه، قال المقرر الأممي الخاص بالحق في مياه الشرب والصرف الصحي بيدرو أروخو-أغودو، إن الاحتلال دمّر نحو 90% من محطات المياه في القطاع منذ بدء العدوان، محذرًا من كارثة إنسانية تهدد حياة المدنيين.
وأوضح في بيان أن الاحتلال استخدم التعطيش كسلاح ضد سكان القطاع عبر استهداف بنية المياه ومنع دخول الوقود الضروري لتشغيل الآبار ومحطات التحلية، وأن تلوث المياه يشكّل خطرًا مباشرًا على آلاف العائلات، وسط مخاوف من تفشي الكوليرا وأمراض قاتلة.
وأضاف، أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يوقف مظاهر الإبادة الجماعية، وأن الأزمة الإنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم، مؤكدًا أن القطاع لا يزال يواجه أزمة عطش خانقة بفعل الحرب والحصار المستمر.
ويشار إلى أن قوات الاحتلال شنت حربًا مدمرة على قطاع غزة طالت مختلف مناحي الحياة، ودمرت خلالها البنية التحتية وآبار المياه ومصادر الطاقة بنسبة تزيد على 90%، ما فاقم معاناة المواطنين وتركهم أمام مصير مجهول في رحلة بحثهم عن مياه نظيفة صالحة للشرب والاستخدام المنزلي.
ــــ
ع.ف


