غزة 19-6-2025 وفا- ريم سويسي
لم تكن الحالات الجراحية الصعبة التي عايشها الطبيب علي عودة أخصائي جراحة الوجه والفكين، جراء المجازر الإسرائيلية، سبباً في تصميمه على مزاولة مهنته الإنسانية رغم المخاطر، بل كانت سبباً أقوى في رفضه مغادرة قطاع غزة أثناء الحرب تلبيةً لنداء الواجب الإنساني.
يعد الطبيب عودة (46 عاماً) الوحيد من شمال قطاع غزة الذي يزاول مهنته في جراحة الوجه والفكين في مستشفى ناصر الحكومي الواقع غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع.
ويقول الطبيب عودة لـ"وفا": "كنا نعمل مع بقية زملائنا الأطباء في مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، وحين تم اجتياح المستشفى اضطررنا إلى النزوح باتجاه الجنوب. بقيت أنا وعائلتي في مواصي خان يونس، ومن هناك كنت أمارس مهنتي في مستشفى ناصر".
ويضيف: "في الهدنة الأخيرة عدت وعائلتي إلى بيتي في بلدة بيت حانون شمالي القطاع، وبعد أوامر الإخلاء الأخيرة غادرت إلى مدينة غزة وحالياً أعيش في خيمة".
يشار إلى أنه تم اجتياح مستشفى الشفاء بغزة في 18 آذار/مارس 2024، وكان يوجد داخله 2300 شخص وفقا لتقديرات للأمم المتحدة، وجرى اعتقال عدد كبير من العاملين هناك.
وعن رحلته من شمال القطاع إلى جنوبه لممارسة عمله طبيبا، يقول عودة: "رغم عودتي إلى شمال القطاع فإنني ما زلت أمارس عملي في مستشفى ناصر كل يومين في الأسبوع لمدة 24 ساعة كل مرة".
ويضيف: "أخرج صباحاً متوجها إلى خان يونس على توكتوك لأكون الطبيب الوحيد من شمال غزة المختص بجراحة الوجه والفكين في مستشفى ناصر".
وعن الصعوبات التي يواجهها يوضح: "أنا معرض للخطر في كل لحظة، فالقصف في كل وقت وفي كل مكان. في كل دقيقة أكون فيها في مستشفى ناصر خاصة، يقع ضمن خريطة الإخلاء الأخيرة وأنا هنا أخاطر بحياتي من أجل حياة المرضى".
ويكمل: "أعيش أنا وعائلتي في جو من التوتر نتيجة مخاطر ممارستي لعملي الإنساني".
وعن قرار رفض مغادرة غزة يجيب الطبيب عودة: "عدد كبير من زملائي الأطباء اضطروا إلى مغادرة القطاع لكنني رفضت الأمر جملة وتفصيلاً، فحين أرى الحالات التي خلّفتها هذه الحرب أسأل نفسي سؤالا لا أجد له إجابة وهو: "لمن نترك هذه الحالات؟".
ويكمل حديثه: "عدد الحالات التي تصل إلى مستشفى ناصر تزيد على طاقة أكثر من عشرين طبيبا وعلى طاقة المستشفى، لذلك قررت البقاء إذ إن تخصصي نادر في ظل نقص الكوادر الطبية".
ويوضح الطبيب عودة أن "الحالات المستعصية التي تصل إلينا جراء الجرائم الإسرائيلية هي التي أرغمتني على البقاء في غزة، ناهيك عن عدم وجود تحويلات للعلاج في الخارج، وطالما استمرت الحرب فأنا موجود لخدمة أبناء وطني".
وعن الحالات التي يتعاملون معها يقول: "نتعامل مع كسور الفك وإصابات الوجه وقطع اللسان ومشكلات الشفاه نتيجة الشظايا والرصاص، نقوم بتجميلها والتعامل معها، وأحيانا يكون الفك كله مدمرا نتيجة الإصابات الخطيرة جراء القصف والاستهداف، وهنا نحتاج إلى تركيب شرائح معدنية".
وتابع: "نعاني نقص الإمكانيات، وفي مقدمتها انقطاع التيار الكهربائي الذي يتسبب في توقف الأجهزة الطبية لدرجة أننا نبيت أحياناً على العتمة من أجل توفير الإضاءة لغرفة العمليات".
ويكمل: "أحيانا يكون المريض غير قادر على الحصول على الأدوية التي يحتاج إليها بعد العملية نتيجة شح الأدوية، في ظل الحصار المحكم وعدم إدخال المستلزمات الطبية اللازمة".
ويختم حديثه بالقول: "في ظل كل هذه التحديات نمارس عملنا مضحّين بحياتنا من أجل حياة المرضى والجرحى في غزة".
ـــــ
/ي.ط